بل هي أمريكا التي نعرف، ومقتها من لوازم الإيمان

بل هي أمريكا التي نعرف، ومقتها من لوازم الإيمان       

 الكاتب : عبد الآخر حماد الغنيمي

أمريكا دولة البغي والعدوان، ما كان الإسلام والمسلمون في طرف، إلا كانت في الطرف المقابل، هذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان، ومن يطلب برهاناً عليها فكأنما يقول لك : اثبت أن الكل أكبر من الجزء، وأن الواحد نصف الاثنين.

ومع ذلك ففي عصر قد اختل فيه ميزان كل شيء نحن مضطرون لإثبات ما لا يحتاج إلى إثبات، والبرهنة على ما هو أوضح من ضوء النهار .

ففي خطبة الجمعة التي نقلتها بعض الفضائيات من بغداد يوم الجمعة (۱۸/۲/ ۱۴۲۴هـ) ذكر الخطيب – الدكتور أحمد الكبيسي – في معرض تنديده بما حدث من أمريكا تجاه العراق : ( أن هذه ليست أمريكا التي نعرف، وأننا إنما نعرف أمريكا بلد العدالة والحرية، التي وقفت ضد فرنسا وبريطانيا أيام العدوان الثلاثي على مصر، وقال رئيسها أيزنهاور لرئيس الوزراء البريطاني يومها : ” إنني أقف في صف عبد الناصر لأنه مظلوم ” ).

والحقيقة أن العرب والمسلمين لم يروا من أمريكا في يوم من الأيام عدالة ولا إنصافاً، وما رأينا أمريكا سعت في تحقيق مصلحة – حتى لعملائها من الحكام – إلا بقدر ما يحقق ذلك مصالحها التي ترتبط دائماً بالمصالح الصهيونية في المنطقة .

والإنذار الأمريكي لفرنسا وبريطانيا إبان حرب السويس عام (۱۹۵۶) لم يكن حباً في عبد الناصر ولا دفاعاً عن حق مصر المهضوم، وإنما كان سببه الرئيس أن بريطانيا وفرنسا قد تصرفتا بغير إذن أمريكا، ولم يكن أيزنهاور ليسمح بأن يدبر أحد في بلاد الغرب شيئاً من وراء ظهره، باعتبار أن أمريكا قد خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي زعيمة العالم الغربي بلا منازع، وقد كشف الرئيس الأمريكي السابق نيكسون أن سبب معارضة أيزنهاور لبريطانيا وفرنسا أنهما لم تخبراه بما تنويانه بل تركتاه على حد تعبيره في الظلام. . .

” بل كذبتا عليه بشأن خطتهما للاستيلاء على القناة، ولم يشأ هو أن يبدو وكأنه يؤيد الاستعمار الصفيق، وما كان للدولتين أن تختارا وقتاً أسوأ من هذا الوقت للإقدام على فعلتهما، إذ أن ذلك حدث كما هو الواقع بعد أسبوعين من إدانتنا لخرشوف لأنه أرسل قوات سوفيتية داخل المجر، وقبل أسبوع من الانتخابات التي كان أيزنهاور مرشحاً فيها على برنامج يدعو للسلام والرخاء ” [ ۱۹۹۹نصر بلاحرب :ص: ۲۱۸ ].

ومما يؤكد أن موقف أيزنهاور لم يكن حباً في مصر ولا من باب نصرة المظلوم أنه لما هدد خرشوف – الرئيس السوفيتي وقتها – بأن يرسل قوات عسكرية لمساعدة مصر، وبأن يطلق القذائف السوفيتية على البريطانيين والفرنسيين، فإن إيزنهاور أصدر تعليماته كما يقول نيكسون أيضاً : ( إلى القائد الأمريكي لمنظمة حلف شمال الأطلنطي بأن يقوم بتسليم ردنا، فعقد الجنرال جرونتر قائد المنظمة مؤتمراً صحفيا ًوصف فيه ما هو حري بأن يحدث، إذا مضى خرشوف في تنفيذ تهديداته قائلاً : إن موسكو ستدمَّر كما يعقب الليل النهار، فتراجع خرشوف ) [المصدر السابق ص: ۸۶].

وإذا كانت أمريكا قد وقفت إلى جانب عبد الناصر في عام (۵۶) لأنه مظلوم فلماذا وقفت ضده في عدوان (۶۷) ؟

ولماذا تدخلت في عام (۷۳) لمنع العرب من تحقيق نصر حاسم أو حتى معقول على الدولة العبرية ؟

ومن الذي غذى دويلة اليهود في فلسطين وتولاها بالتأييد والرعاية ولا يزال يستخدم حق الفيتو ضد كل قرار يحاول إلزامها بما يلتزمه غيرها من قواعد ما يسمى بالشرعية الدولية ؟

ومن الذي لا يزال يساعد اليهود في قمع أهلنا في فلسطين وإذلالهم، ومن الذي قتل أهلنا في أفغانستان. . . ومن. . . ومن ؟

بل إن الحكومات المتعاقبة في أمريكا لم تكن تتذكر قيم العدالة والحرية إلا إذا كانت تخدم مصالحهم وتطلعاتها، وإلا فقولوا لنا هل هناك دولة استخدمت السلاح النووي إلا أمريكا، بل إنها حين ضربت هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة الذرية، لم يكن هناك من دافع لاستخدامها إلا شهوة الانتقام أو بث الرعب في قلوب الآخرين، وذلك لأن اليابان كانت قد وقعت بالفعل قبل ضرب المدينتين على وثيقة الاستسلام .

والتاريخ الأمريكي شاهد على هذه النظرة النفعية المادية التي ينظر بها حكامهم لقيم الحرية وحقوق الإنسان، حتى داخل حدود وطنهم، فأبراهام لينكلون صاحب إعلان تحرير العبيد، لم يكن ينحاز بهذا الإعلان إلى قيم الحرية والإنسانية، ولم يكن تحرير العبيد هو الهدف من الحرب الأهلية الأمريكية كما يزعم الزاعمون؟ وإنما الصحيح أن إعلان تحرير العبيد كان مجرد ورقة رابحة استخدمها الشمال ضد الجنوب؛ بدليل أن هذا الإعلان لم يأتِ في السنة الأولى من الحرب وإنما جاء كما يقول الأستاذ هيكل : ( في أواخر السنة الثانية، وكان هدفه عسكرياً أكثر منه إنسانياً ؛ وهو حرمان الجنوب من قوة العضلات العاملة في مزارعه ومنشآته ومشاريعه، على نحو ما تقوم به الجيوش الحديثة الآن حين تضرب بالطائرات والصواريخ موقع إنتاج ومواصلات عدو لها تحاربه) [المقالات اليابانية ص: ۱۶۶].

وإنك حيثما فتشت في تاريخ أمريكا مع العرب والمسلمين لم تجد إلا أبشع أنواع الظلم والقهر الذي لا يمكن أن يولد إلا الكراهة والبغض، ولو أن استفتاء حقيقاً تم في بلاد المسلمين حيال الموقف من أمريكا لما وجدت من يحسن الظن بها إلا شرذمة من العملاء أو من المخدوعين .

وكراهة الإنسان لمن يسيئ إليه فطرة إنسانية، فضلاً عن كون بغض الكفر وأهله من أعظم ركائز الدين ولوازم الإيمان، وهو مقتضى الملة الإبراهيمية التي أمرنا الله باتباعها والتأسي بأهلها ؛ كما قال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده. . .} [الممتحنة:۴ ].

والأصل أن يكون علماء الإسلام ودعاته أعرف الناس بهذه الحقيقة، ولذلك فإنه مما يدعو إلى العجب أن نرى مِن المنتسبين للفكر الإسلامي مَن يريد منا أن ندع هذا الذي يمليه علينا إيماننا ويأمرنا به قرآننا بدعوى أنه لا يجدي ولا يفيد، وأن الأجدى من ذلك أن نهتم بدراسة أمريكا ومعرفة واقعها معرفة أوسع، وهذا ما ينادي به الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي في دراسة له نشرت في موقع قناة الجزيرة بتاريخ (۱۲/۲/۱۴۲۴) ومن كلامه في ذلك : ( إن ما يحتاجه العرب والمسلمون اليوم ليس عبادة أميركا كما يفعل بعضهم، أو مقتها كما يفعل آخرون، ولو كانت عبادة أميركا ومقتها يفيدان لهان الأمر وقرب المأخذ، وإنما يحتاجون إلى معرفتها بدقة، وتشريحها وتحليلها، واكتشاف ديناميكية المجتمع الأميركي وقواه الاجتماعية والأيدولوجية المتبدلة، من أجل صياغة إستراتيجية واضحة للتعاطي معها ).

وأقول : بل يحتاج العرب والمسلمون – مع دراسة أمريكا ومعرفتها معرفة واعية – إلى مقتها وبغض سياستها وكراهة ظلمها وطغيانها، وإلى تربية أجيالهم القادمة على ذلك؛ لأنه فضلاً عن أن هذا هو مقتضى ما سلفت الإشارة إليه من نصوص القرآن الحكيم، فإنه لا بد من أن يشعر المسلمون بمدى الظلم والطغيان الذي تمارسه أمريكا ضدهم، وهو ما يستتبع بالضرورة مقتها وكراهيتها، وربما كان هذا أول الطريق لمواجهتها ورد عدوانها، ولولا أن هناك فائدة ترجى من هذا المقت وتلك الكراهية لما بدأت أمريكا من الآن في إعداد العدة لتغيير مناهج التعليم في العراق بحيث تنشأ الأجيال الجديدة – كما أعلنوا – على أن الأمريكان أصدقاء للشعب العراقي جاؤوا له مخلصين، لا أعداء محتلين .

كما أقول : إنه حينما يكون الأمر متعلقاً بثوابت الأمة وأصول دينها، فلا مجال للحياد وادعاء الوسطية، وإنما الواجب الانحياز إلى الثوابت وإن شنع المشنعون، وغضب الغاضبون، فما كنا لنترك ركناً من أركان ديننا – الولاء والبراء – لنُرضيَ البعض عنا، أو لنظهر بمظهر المحايدين الموضوعيين .

________________________________________

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *