مقاصد الجهاد وأنواعه

مقاصد الجهاد وأنواعه  

بسم الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد…

فإن الجهاد في سبيل الله شرَعه الله تعالى لِتكون كلمة الله هي العليا، ولِيعبد الله وحده لا شريك له، ولِينصر به الإسلام والمسلمون.

فالجهاد؛ ضرورةٌ لحماية الإسلام وإقامة شريعته في الأرض، وبتركه يتسلّط الأعداءُ على الأمة ويزيلون شرع الله ويستحلّون بلاد الإسلام.

فلهذا؛ فالجهاد في سبيل الله أصلٌ مصاحبٌ لشريعة القرآن، فينصر شريعة القرآن ويقيم دولته… ثم يقوم بحمايتها.

وليس الجهاد حكماً طارئاً – كما يدعيه البعض – بل هو مصاحبٌ لدولة الإسلام في الأرض، وهو دائمٌ إلى قيام الساعة، وهو من أبرز صفات الطائفة الناجية المنصورة – أهل السنة والجماعة –

ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة).

وعن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) [رواه مسلم].

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) [رواه مسلم].

وإنّ مِنْ مُسَلّمَاتِ البشريةِ؛ أنّ أيَّ فكرةٍ وعقيدةٍ – ولو كانت باطلة – لا يمكن أن تحكم ويكون لها كيانها، ما دامت نظريةً لم يُؤْتَ صاحبُها قوةً تنصرها وتحميها، ولهذا فترك الجهاد اليوم أمام اليهود في فلسطين، وأمام الصليبيين الذين يجتاحون العالم الإسلامي؛ يمثل خطراً وهلاكاً للمسلمين في دينهم وفي أنفسهم وفي أعراضهم وفي أموالهم وأراضيهم.

فقد قال تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فأمر الله تعالى بالجهاد بالمال، وعدم الركون إلى الدنيا، وعلل الحكم بأن ترك الجهاد من إلقاء النفس في التهلكة، لأن العدو إذا غلب على بلاد المسلمين أفسد فيها وأهلك الحرث والنسل وحارب الدين والأخلاق.

عن أسلم عن أبي عمران قال: (غزونا من المدينة نريد القسطنطينية – وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة – فحمل رجل على العدو فقال الناس: “مه! مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة!”، فقال أبو أيوب: “إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد”).

قال أبو عمران: (ولم يزل أبو أيوب يقاتل في سبيل الله، حتى قتل في القسطنطينية) [رواه أبو داود].

فبين أبو أيوب رضي الله عنه أن المراد بالآية؛ هو أن الانشغال بالدنيا بإصلاحها، وترك الجهاد والنفقة هو إلقاء الأيدي في التهلكة.

فمن أقبل على إصلاح دنياه، وانشغل بوظيفته، وتنمية أمواله من خلال التجارة وغيرها، وهو يشاهد جيوش الصليبيين تجتاح العالم الإسلامي؛ فهو في حقيقة الأمر يلقي بيديه إلى التهلكة.

فالنجاة تكون بالتصدي للمعتدين وجهادهم، وأما الاستكانة لهم وترك جهادهم فهو الهلاك والهلع.

كما أن المسلم بقعوده عن الجهاد وركونه إلى الدنيا؛ يحرق دينه ويتصف بصفات المنافقين الذين قال الله عنهم: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.

فليس القعود عن الجهاد وخذلان المجاهدين، ومداهنة الصليبيين وعملائهم والخوف من سطوتهم؛ هو طريق السلامة والنجاة، بل هو طريق الهلاك الذي يصيب المسلم في دينه وفي نفسه وماله – كما نص على ذلك القرآن –

فصاحب العلم يهلك نفسه إذا لم يجاهد ويحرض الأمة على مواجهة الصليبيين، والتاجر يهلك نفسه إذا أمسك عن الجهاد بماله خوفاً من الصليبيين وعملائهم، وكل مسلم يهلك نفسه؛ إذا قعد عن الجهاد.

فالجهاد وعزة الأمة؛ قرينان، كما أن ترك الجهاد والذل؛ قرينان، وهذا ما شهدت عليه نصوص الشرع، وشهد عليه الواقع اليوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) [أخرجه أحمد و أبو داود].

وبعد أن بايع المسلمون أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة، تكلم أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد؛ أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) [رواه ابن إسحاق بإسناد صحيح].

ففي هذه الخطبة؛ ذكر الخليفة أبو بكر رضي الله عنه قواعدَ عظيمةً من قواعد وأصول الحكم في الإسلام، وهي الأصول التي قامت عليها الخلافة الراشدة، فأرشد إلى معاونة الحاكم على البر والتقوى، وأشار إلى نصح الحاكم وتقويمه ومحاسبته عند الإساءة، ثم حث على الصدق وحذر من الكذب، ثم ذكر مساواة الجميع أمام القضاء، وإقامة العدل بين الناس ورفع الظلم، ثم ذكر الجهاد وحذر من القعود عنه، الذي سيكون سبباً للذل، وتسلط الأعداء, وزوال دولة الإسلام، ثم حذر من خطر انتشار الفاحشة، وما يترتب على انتشارها من العقوبات العامة والبلاء، ثم بين أن طاعة الحاكم تكون بالمعروف، فلا يطاع في معصية الله ورسوله.

* * *

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الجهاد، في قوله: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم و ألسنتكم) [رواه أبو داود].

فالجهاد بالنفس والمال يقوم على خصلتين؛ الشجاعة والكرم، وضدهما الجبن والبخل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الجبن والبخل، وإذا تخلت الأمة عن خصلتي الشجاعة والكرم، وتركت الجهاد بالنفس والمال فقد تخلت عن خصلتين من أهم خصال حملة الرسالة، فهي في حقيقة الأمر قد تخلت عن حمل الرسالة كما أراد الله أن تحمل، ولهذا فقد توعدها الله بالاستبدال إذا تركت الجهاد بالنفس والمال، لتخليها عن حمل الرسالة.

فقال في ترك الجهاد بالنفس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وقال في ترك الجهاد بالمال: {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

وأما الجهاد بالنفس…

فالواجب على المسلمين؛ أن يطلبوا الشهادة في سبيل الله، وأن يتهيئوا ويستعدوا لها، وأن يتخلصوا من قيود الدنيا وشهواتها، ومن قيود الحكومات العميلة، وأن يطيروا إلى الشهادة في مظانها.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي الموت مظانه) [رواه مسلم].

والشهادة اصطفاء من الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده، فالواجب أن نربيَ الصغار والكبار على حب الشهادة وطلبها، ونحذرهم من كراهية القتل والاستشهاد، فإن عاقبته الوهن في القلوب، وتداعي الأمم، من الصليبيين واليهود وغيرهم على الأمة لمحاربة دينها، ونهب خيراتها.

كما قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: (ومن قلة نحن يومئذ؟)، قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: (يا رسول الله، ما الوهن؟)، قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) [أخرجه أبو داود]، وفي رواية لأحمد: (حبكم الدنيا، وكراهيتكم القتال).

فيجب أن نحرض الأمة على حب الشهادة، وعلى طلبها وتمنيها والرغبة فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سريةٍ تغزوا في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل) [رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه) [رواه مسلم].

وفي صحيح مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم يوم بدر: (قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض)، فقال عمير بن الحمام: (يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟!)، قال: (نعم)، قال: (بخ! ٍ بخ!)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك؛ بخ بخ؟!)، قال: (لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها)، قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: (لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه؛ إنها لحياة طويلة)، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.

وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)، فقام رجل رث الهيئة، فقال: (يا أبا موسى، أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟!)، قال: (نعم)، فرجع إلى أصحابه فقال: (أقرأ عليكم السلام)، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، فمشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل [رواه مسلم].

إن دماء الشهداء؛ نورٌ يضيء الطريق للسائرين، وحبرٌ يسطر تاريخ الأمة، ونهرٌ يروي شجرة الإسلام، إن الشهداء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، إن الشهداء يؤمّنون من الفزع الأكبر، ولا يفتنون في قبورهم، ويزوج الشهيد باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

إن حب الشهادة؛ يعني عودة الأمة إلى نصرة دينها، وسالف مجدها ورفعتها، وعودة الإسلام إلى الحكم في الأرض.

إن طلب الشهادة؛ يعني قمع الفساد والمفسدين، وتطهير أرض الإسلام من الصليبيين واليهود والمعتدين.

إن طلب الشهادة؛ يعني الترفع عن قيود الأرض ورغباتها وشهواتها، وإخلاص النية والإرادة لله تبارك وتعالى.

إن طلب الشهادة؛ شهادة على صدق الإيمان والتوحيد واليقين.

إن طلب الشهادة؛ هو السلاح الذي أخاف الأعداء، ونكل بهم وأعجزهم أن يجدوا سلاحاً مقاوماً له، فأخذوا يطلبون من عملائهم أن يتصدوا لثقافة الاستشهاد.

فيجب أن تروج هذه التجارة الرابحة، ويعلن عنها في كل مكان، وأن يتسابق في تحصيلها المتسابقون، فقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}، أي يبيع نفسه – وهي أغلى ما يملك – ابتغاء مرضاة الله تعالى.

وأما النوع الثاني من أنواع الجهاد؛ فهو الجهاد بالمال:

وهو واجب كالجهاد بالنفس، فيجب على المسلمين أن يجاهدوا بأموالهم، حتى تحصل الكفاية للجهاد والمجاهدين في فلسطين والشيشان وفي أفغانستان وكشمير وغيرها، فقد قال الله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية؛ عن أناس جياع وعن مجاهدين، فمن يقدم في إعطاء المال؟ فأمرهم بدفع المال إلى المجاهدين ولو مات الجياع، لأن ضرر تعطيل الجهاد وإضعاف المجاهدين، وما يترتب عليه من تسلط الأعداء على بلاد المسلمين؛ أعظم من موت الجياع.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنفقة ورغب فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزى ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزى) [متفق عليه].

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو – أي فني طعامهم – أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) [متفق عليه].

وتسعى الولايات المتحدة وعملاؤها إلى إرهاب التجار والمتصدقين، لصدهم عن الجهاد بالمال من خلال الاتهام بالإرهاب، والتهديد والحجر على الأموال وغيرها من أساليب التخويف والإجرام.

والأمريكان يعلمون؛ أن الجهاد بالمال له دورٌ حاسم في المعركة، وهم يخشون أن تنالهم هزيمة ساحقة في أفغانستان بسبب دعم المسلمين المتواصل للمجاهدين، وأن يكون مصيرهم كمصير الاتحاد السوفيتي، فلهذا فهم يكثفون ضغوطهم على عملائهم لإرهاب التجار المتصدقين وتخويفهم ليكفوا عن فريضة الجهاد بالمال.

والواجب على التجار وعموم المسلمين؛ أن لا يطيعوا الصليبيين والعملاء في ترك فريضة الجهاد، كما لا يطيعونهم في ترك الصلاة والصيام، بل عليهم أن يجاهدوا بأموالهم لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يعلموا أنهم ببذلهم وإنفاقهم في سبيل الله يدافعون عن دينهم وأنفسهم وبلادهم، التي سوف يصلها عدوان الأمريكان وحلفائهم، إذا لم يكبدوا هزيمة ساحقة في أفغانستان وغيرها.

وأما النوع الثالث من أنواع الجهاد؛ فهو الجهاد باللسان لتعريف الأمة وتحذيرها من الخطر النازل بها:

ويدخل في هذا النوع من الجهاد استخدام وسائل الإعلام المتوفرة في تحريض المسلمين، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}، وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً}.

فلا يكف بأس الذين كفروا؛ إلا بالقتال والتحريض عليه، وهذا التحريض على الجهاد وعلى دفع الصليبيين واليهود؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يجب على كل مسلم القيام به بحسب قدرته.

وإن الواجب في حق أهل العلم أوكد من غيرهم، فيجب عليهم أن يبينوا الحق للأمة وينصحوا لها ويحرضوها على الجهاد، ويقودوها في مواجهة الصليبيين واليهود، فإن العلماء والأمراء هم ولاة أمر المسلمين، وقد تخاذل الأمراء عن الجهاد – إلا من حفظ الله من أمراء المجاهدين –

ولم يقتصر أكثر الحكام على الخذلان، بل والوا النصارى في حملتهم الصليبية ضد المسلمين، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء، وهو أحكم الحاكمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

فإذا كان هذا هو حال الحكام، فلم يبق للأمة من ولاة أمورها إلا العلماء، الذين يحب أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين والمنافقين، والجهاد في سبيل الله، وأن يقولوا الحق لا يخافون في الله لومة لائم، وأن يقوموا بقيادة الأمة وينظموا صفوفها المتفرقة، ويُسيِّروا الشباب إلى مواقع النزال والقتال، وأن يغطوا حاجات الجهاد في جميع الأراضي التي ترفع فيها رايات الجهاد في سبيل الله.

وهذا العمل الكبير؛ يتطلب تعاوناً وتناصراً وتشاوراً بين أهل العلم، للقيام بهذا العمل واستنفارَ مَنْ تحصل بهم الكفاية من المجاهدين وطلبة العلم، وجمع المال الكافي للجهاد في كل مكان يقام فيه، وتنظيم وسائل الإعلام الممكنة لتحريك الأمة.

ومع توسع الحملة الصليبية في احتلال المزيد من بلاد المسلمين، فسوف ترفع بإذن الله تعالى رايات جهادية جديدة، فتجب نصرتها وتقويتها، كرايات الجهاد في شمال العراق وغيره.

* * *

العلم النافع هو ما أثمر الخشية من الله تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}، فأهل الخشية؛ هم أهل العلم، الذين مدحهم الله في كتابه، فهم الذين جاهدوا في سبيل الله وبلّغوا العلم وبيّنوا الحق.

ولا يترك صاحبُ العلمِ الجهادَ في سبيل الله وتبليغ الحق إلا لنقصِ خَشْيته من الله تعالى.

وقد قال الله تعالى: {أتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً}، وقال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}.

وإذا كتم صاحب العلم الحق؛ فلا يكون من أهل العلم الذين جاءت نصوص الكتاب والسنة بمدحهم بالخشية وغيرها، ولو حفظ المتون، وتبحر في العلوم، بل هو ممن قال الله تعالى عنهمٍ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.

وقد يتأول متأول، ويعتذر عن قعودهم عن الجهاد، وخذلانهم للمجاهدين بانشغاله ببعض الأعمال الصالحة، التي لا تعدل الجهاد، ويخشى فواتها، أو أن يمنع منها، إذا ساعد المجاهدين، فينشغل بها عن الجهاد، وهو يشاهد بلاد المسلمين تنقص من أطرافها على أيدي الصليبيين، الذين ربما داهموه في بلاده، وهو لم يجاهد ولم يعد للجهاد عدته.

وقد قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

وعن النعمان بن بشير قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم وعمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم جمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ… الآية}) [رواه مسلم].

فسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام من الأعمال الصالحة، ولكنها لا تعدل الجهاد الذي تقام به دولة الإسلام، وبه ينصر الحق ويدفع الباطل، ويحمى الدين، وتصان الأنفس والأعراض والأموال.

إن هذا العدوان الصليبي اليهودي الذي يجتاح الأمة اليوم؛ إنما هو ابتلاء من الله تعالى لعباده حتى يميز الصفوف، ويبين الصادق من الكاذب المنافق، كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

فالله تعالى يبتلي العباد، حتى يُظْهِرَ المجاهدين الذين ولاؤهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ويُبَين الكاذبين القاعدين عن الجهاد، الذين اتخذوا وليجةً يَلِجُون إليها من دون الله ورسوله والمؤمنين بموالاة أعداء الله الصليبيين، أو عملاؤهم الموالين لهم.

فيدافعون عن عملاء الصليبيين، ويبررون أعمالهم، وتمكينهم للصليبيين من بلاد الإسلام، ومحاربتهم للمسلمين، فقد أعرضوا عن طاعة الله، وموالاة الله ورسوله والمؤمنين ونصرتهم، واتبعوا ما يمليه عليهم الحكام المبدلون لشرع الله، فلا يخرجون عن طاعتهم، وعن الطريق الذي رسموه لهم، فهم في حقيقة الأمر موالون للصليبيين، ولكن بصورة غير مباشرة.

* * *

فإذا احتلت الولايات المتحدة العراق، فيتعين على أهل العراق الجهاد، وعلى من حولهم للحاجة إليهم، فيجب على المجاهدين النفير إلى العراق حتى تحصل الكفاية، ويدفع العدو.

وهذه بعض التنبيهات والنصائح في حال دخول الأمريكان إلى العراق:

أولاً:

إن حرب العصابات الطويلة؛ هي نقطة ضعف الجيوش المتطورة في تسليحها، لأنها تفقد الأهداف الثابتة التي يسهل تدميرها.

وهذا هو المجرب مع إسرائيل، التي كانت غالباً ما تتفوق على الجيوش العربية الأقل منها تسليحاً، وتدمر آلياتها ودباباتها المدسوسة في الصحراء، ولكن إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة في حروب العصابات في فلسطين وفي لبنان.

ثانياً:

إن تورط الولايات المتحدة في حربين من حروب العصابات الطويلة في وقت واحد في أفغانستان والعراق، سوف يسبب تشتيتها وضعفها وكثرة خسائرها، والتعجيل بهزيمتها بإذن الله، ولن تستطيع أن تثبت طويلاً – بإذن الله – أمام حروب العصابات المتصاعدة في قوتها وعملياتها.

ثالثا:

مع توفر الكثير من الأسلحة في بلاد العراق، فهي تملك أيضاً أرضاً شاسعة، وحدوداً ممتدة، وهذا مما يسهل حركة المجاهدين ويساعدهم في حرب العصابات، مع ما يشكله من تشتيت لقوة العدو، وعجزها عن السيطرة على بلاد العراق الواسعة.

رابعاً:

إن كل مجاهد ينفر إلى الجهاد في العراق؛ عليه أن يعلم أنه لا يدافع عن العراق وحدها، بل يدافع عن الأمة، وعن بلاده التي سوف يصلها العدوان الأمريكي بعد السيطرة المزعومة على العراق.

فالأمريكان قد صرحوا بنواياهم لفرض كفرهم وديمقراطيتهم على المنطقة، وإعادة تشكيلها من جديد، وغيرها من الشعارات الخادعة التي كانوا يرددون بعضها على عدوانهم على أفغانستان، ثم كانت النتيجة تنصيب حكومة عميلة في أفغانستان، وفقد الأمن وانتشار الفوضى وقطع الطريق وكثرة النزاعات وزراعة المخدرات.

خامساً:

إن الكثير من المسلمين يتمنون قتال اليهود في فلسطين، وقد ساق الله لهم عدوهم الأخطر الأمريكان، وما إسرائيل إلا سيئة واحدة من سيئاتهم وجرائمهم في حق الأمة، فمن يقاتلهم فهو في الحقيقة كمن يقاتل اليهود، فإن في ضعف الأمريكان وهزيمتهم ضعفاً لليهود.

والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *